معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب أنوار الملكوت > نور ملكوت القرآن > نور ملكوت القرآن ـ المجلس العاشر: أوصاف حامل القرآن وخصائصه

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة مباحث أنوار الملكوت
نور ملكوت القرآن

المجلس العاشر: أوصاف حامل القرآن وخصائصه

(مواعظ شهر رمضان المبارك من عام 1390)

من مصنّفات العلاّمة الراحل

آية اللـه الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدس اللـه نفسه الزكيّة

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

بسم الله الرّحمن الرّحيم‏
والصّلاة على محمّد و آله الطّاهرين‏
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدّين‏

    

الاستقامة في طريق الدّين من لوازم معرفة القرآن

يقول الله تعالى:
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزيلاً ، فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُورا}[1].
يخاطب الله سبحانه في هذه الآية الشريفة رسولَه الكريم ذاكراً له فضله ومنّته عليه بأنّا نحن نزّلنا عليك القرآن! ثمّ يفرّع سبحانه على ذلك أمراً، وهو أنّه عليك أن تستقيم لحكم ربّك, وتكون ثابت القدم في مقام تطبيق هذا الحكم, ولا تنقاد لأحد من الكفّار, سواء كان آثماً مرتكباً للذنوب، أم منكراً معانداً للحق.
ويستفاد من ذلك أنّ الاستقامة في طريق الدّين هي من لوازم معرفة القرآن، فهو كنزٌ للمعارف كافّة, وخزانةٌ للكمالات والمعنويّات بأسرها.
قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّم: ما مِن شَفيعٍ أفضَلَ مَنزِلَةً عِندَ الله يَومَ القِيامَةِ مِنَ القُرآنِ، لا نَبِيٍّ ولا مَلَكٍ ولا غَيرِهِ.[2]
ويُروى أيضاً عن رسول الله أنّه قال:
إنَّ القُلُوبَ تَصدَأ كَما يَصدَأ الحَدِيدُ؛ فقِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ! وما جَلَاؤُها؟ فقالَ: تِلاوَة [قِراءَة] القُرآنِ وذِكرُ الموتِ![3]
فلأنّ القرآن مرهم لجروح الروح، فهو يجلي صدأ القلوب, ويُعِدّها بصقله لها لكي تسطع عليها الأنوار الإلهيّة وتشعّ منها التجليّات السبحانيّة، كما تظهر في قارئ القرآن الصفات الحسنة كلّها وتتحقّق في نفسه مكارم الأخلاق؛ وذلك لأنّ القرآن يهدي القارىء إلى مقام الإنسانيّة المنيع وشرف اللقاء بالله والتكلّم معه سبحانه, ومن المعلوم أنّه لا يوجد هناك سوى الاستقامة والعفّة والعبوديّة والعلم والحلم.

    

أوصاف حامل القرآن وخصائصه

يروي في الكافي بإسناده عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: قالَ رَسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيه وآلِه: إنَّ أحَقَّ النّاسِ بِالتَّخَشُّعِ فِى السِّرِّ والعَلانِيَة لَحامِلُ القُرآنِ، وإنَّ أحَقَّ النّاسِ في السِّرِّ والعَلانِيَة بِالصَّلَوة والصَّومِ لَحامِلُ القُرآنِ. ثُمَّ نادَى بِأعلَى صَوتِهِ: يا حامِلَ القُرآنِ! تَواضَعْ بِهِ يَرفَعكَ اللهُ! ولا تَعَزَّزْ بِهِ فَيُذِلَّك اللهُ؛ يا حامِلَ القُرآنِ! تَزَيَّنْ بِهِ لِلهِ يُزَيِّنكَ اللهُ [بِهِ‏]؛ ولاتَزَيَّنْ بِهِ لِلنّاسِ فَيُشِينَكَ اللهُ بِهِ[4]. مَن خَتَمَ القُرآنَ فَكَأنَّما أدرِجَتِ النُّبُوَّة بَينَ جَنبَيهِ، ولَكِنَّهُ لا يُوحَى‏ إلَيهِ؛ ومَن جَمَعَ القُرآنَ، فَنَولُهُ[5] لا يَجهَلُ مَعَ مَن يَجهَلُ عَلَيهِ، ولا يَغضَبُ في مَن يَغضَبُ عَلَيهِ، ولا يَحُدُّ فيمَن يَحُدُّ[6]؛ ولَكِنَّهُ يَعفُو ويَصفَحُ ويَغفِرُ ويَحلُمُ لِتَعظِيمِ القُرآنِ؛ وَمَن أوتِىَ القُرآنَ فَظَنَّ أنَّ أحَداً مِنَ النّاسِ أوتِىَ أفضَلَ مِمّا أوتِىَ، فَقَد عَظَّمَ ما حَقَّرَ اللهُ وحَقَّرَ ما عَظَّمَ اللهُ.[7]
فأيّ ملكات سنيّة ذُكرت لحامل القرآن في هذا الحديث الشريف! فالتخشّع والصلاة والصوم، والهدوء والسكون عند ملاقاة الجهّال وكسرُ سورةِ الغضب وكظم الغيظ, والعفو وغضّ الطرف عن المذنبين والحلم عنهم هي جميعاً من صفاته وأخلاقه، ثمّ أعلى من ذلك كلّه ذكرت أنّ حقيقة مقام النبوّة كأنّما أدرجت بين جنبيه, فصار عارفاً بحقيقة الأحكام والمعارف. ولا شكّ أنّ هذا منحصر بالذين يرون أنفسهم خاضعين أذلاء أمام عزّة القرآن, الذين تجعلهم حالة الانكسار ورقّة القلب يتقبّلون آيات الله سبحانه وتعالى ويتلقَّونها ويركنون إليها, وأمّا من يرون أنفسهم أعزّاء أمام القرآن، ويعتقدون أنّ لعلومهم وكمالاتهم وجوداً أمام القرآن، فهؤلاء لن يحصلوا على شيءٍ منه, وسيعدُّهم الله والقرآن من المقبوحين, وسبب ذلك يرجع إلى أنّ المراد من التذلّل للقرآن ليس التذلّل الظاهريّ من التقبيل له واحترامه، بل المراد والمطلوب هو التسليم له والذلّة الباطنيّة أمامه, وهذا إنّما يتحصّل بواسطة تسليم النفس، وعدِّ العلوم والكمالات الشخصيّة عدماً لا قيمة له في مقابل عظمة القرآن الكريم وكماله. لذلك ورد في الرواية أنّه لو فرضنا أن شخصاً بلغ مرحلة الإيمان ، ولكن لم يكن عنده اطّلاع على علوم القرآن, فإنّ فائدته ستكون قليلة جداً.

    

العارف بالقرآن هو القادر على التربية و الإرشاد

يروي في الكافي بإسناده عن أبان بن تغلب عن أبي ‏عبد الله عليه السّلام، قال: النّاسُ أربَعَة. فَقُلتُ: جُعِلتُ فِداكَ! وما هُم؟ فَقالَ: رَجُلٌ أوتِي الإيمانَ ولَم يُؤتَ القُرآنَ، ورَجُلٌ أوتي القُرآنَ ولَم يُؤتَ الإيمانَ، ورَجُلٌ أوتِي القُرآنَ وأوتِيَ الإيمانَ، ورَجُلٌ لَم يُؤتَ القُرآنَ ولا الإيمانَ. قالَ: قُلتُ جُعِلتُ فِداكَ! فَسِّرْ لِي حالَهُم. فَقالَ: أمّا الَّذى أوتِيَ الإيمانَ ولَم يُؤتَ القُرآنَ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ التَّمرَة طَعمُها حُلوٌ ولا رِيحَ لَها. وأمّا الَّذى أوتِيَ القُرآنَ ولَم يُؤتَ الإيمانَ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الآسِ رِيحُها طَيِّبٌ وطَعمُها مُرٌّ. وأمّا مَن أوتِيَ القُرآنَ والإيمانَ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ‏ الأترُجَّةِ رِيحُها طَيِّبٌ وطَعمُها طَيِّبٌ. وأمّا الَّذى لَم يُؤتَ الإيمانَ ولا القُرآنَ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الحَنظَلَة طَعمُها مُرٌّ ولا رِيحَ لَها.[8]
يُستفاد من هذه الرواية أنَّ العالم بالقرآن هو صاحب نور وبصيرة تحيي القلوب, عارفٌ بطريق السير والسلوك وبطرق الوصول إلى الله, وبموانع هذا الطريق وعوائقه, كما أنّه يعرف سبيل رفع هذه الموانع والوصول إلى المقصود, وهذا بنفسه يُمثّل الخصوصيّة التي أشار الإمام عليه السلام إليها بتعبيره بالرائحة الطيّبة. وهذا بخلاف من يصل إلى مرحلة الإيمان وتطيب روحه بالعمل وبتوجيه ومساعدة الإمام والوليّ, ولكن وبسبب عدم إطّلاعه الكافي على طريق السير والسلوك وعدم اطّلاعه على ما يرفع الموانع والخواطر الشيطانيّة وعدم معرفته بالإلهامات الربّانيّة، وعدم تمييزه بين النفحة الإلهيّة ونزعة إبليس؛ فهذا لا يمكنه أن يفيد غيره، ولا يمكنه أن يكون مُرشداً للناس إلى طريق الله سبحانه, وخلاصة القول إنّ وجوده «لازم» وليس «متعدّياً», فإن كان هناك من خير فهو لنفسه ولا يفيض على غيره. وذلك لأنّ القرآن يستعرض صفحات نفس الإنسان الواحدة تلو الأخرى, محقّقا وباحثاً في غرائزه وصفاته بشكل كامل, وهو يدرك جيّداً مهلكاته ومنجياته, كما أنّه مطّلع على جنود النّفس الأمّارة وإبليس، وسبيل التغلّب عليها، وهو ذو خبرة تامّة في تقوية الغرائز الرحمانيّة ورأس المال الفطريّ الذي وهبه الله لهذا الإنسان, فالقرآن حقيقةً هو كتاب تعليم وتربية، ونجاة من مستوى البهيميّة إلى ذروة مقام القرب والإنسانيّة, ومن هنا فإنّ العارف بالقرآن يمتلك نحواً من المزايا في التربية غير موجودة عند غيره، ومن هنا فإنّ الله العليّ الأعلى لمّا كان يريد لجميع أفراد البشر أن يحصلوا على هذه المزايا العرفانيّة والمقامات الروحيّة والتربوية؛ فقد أمرهم بقراءة القرآن والتدبّر فيه والتفكّر في الآيات الإلهيّة الواردة بين ثناياه.
فعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
أفضَلُ عِبادَة أمَّتِي قِرَاءَة القُرآنِ.[9]
وقال صلّى الله عليه وآله أيضاً:
خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ.[10]
ويروي في كتاب الكافي بإسناده عن الفضيل بن يسار عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام أنّه قال:
ما يَمنَعُ التّاجِرَ مِنكُمُ المَشغُولَ فى سُوقِهِ إذا رَجَعَ إلَى مَنزِلِهِ، أن لا يَنامَ حَتَّى يَقرَأ سُورَةً مِنَ القُرآنِ فَتُكتَبَ لَهُ مَكانَ كُلِّ آيَة يَقرَؤُها عَشرُ حَسَناتٍ، ويُمحَى عَنهُ عَشرُ سَيِّئاتٍ؟![11]
كما يروي في الكافي عن عبد الله بن فضل النوفلي مرفوعاً:
ما قَرَأتُ الحَمدَ عَلَى وَجَعٍ سَبعيِنَ مَرَّة إلَّا سَكَنَ.[12]
و عن معاوية بن عمّار عن أبي ‏عبد الله عليه السّلام، قال:
لَو قَرَأتَ الحَمدَ عَلَى مَيِّتٍ سَبعِينَ مَرَّة ثُمَّ رُدَّتْ فيهِ الرُّوحُ، ما كانَ ذَلِكَ عَجَباً.[13]
وعن جابر، قال:سَمِعتُ أبا جَعفَرَ عَلَيهِ السّلامُ يَقولُ: مَن قَرَأ المُسَبِّحاتِ كُلَّها قَبلَ أن يَنامَ، لَم يَمُتْ حَتَّى يُدرِكَ القَآئِمَ، وإن ماتَ كانَ فى جَوارِ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ.[14]

    

القرآن يلطّف الروح ويليّن القلب

فالقرآن يلطّف الروح ويطيّب حال الإنسان ويُذهب الهمّ والغمّ, ويحمل الإنسان إلى محلّ الأمن وأفق الأمان.
يروي في كتاب الكافي بإسناده عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام أنّه قال:
قُلتُ: إنَّ قَومًا إذا ذَكَرُوا شَيئًا مِنَ القُرآنِ أو حُدِّثُوا بِهِ، صَعِقَ أحَدُهُم حَتَّى يُرَى أنَّ أحَدَهُم لَو قُطِّعَتْ يَداهُ أو رِجلَاهُ لَم يَشعُر بِذَلِكَ؛ فَقالَ: سُبحانَ اللهِ! ذاكَ مِنَ الشَّيطانِ، ما بِهَذا نُعِتُوا! إنَّما هُوَ اللِينُ والرِّقَّة والدَّمعَة والوَجَلُ.[15]
لم يصفِ اللهُ سبحانه وتعالى القارئين للقرآن بأنّهم يُصعقون أثناء قراءتهم له, وإن حصلت عندهم مثل هذه الحالة فإنّ ذلك يعود إلى قصور ظرفيّتهم وعدم تحمّل أنفسهم. لقد وصفهم الله سبحانه في القرآن بإفاضتهم للدّمع والخشية من الله ورقّة قلبهم ولطافته, هناك حيث قال: {وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَق}[16], وقال في سورة الحجّ: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتينَ، الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُم}[17], وفي سورة الزمر: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَديثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِىَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّه}.[18]
يقول أمير المؤمنين سلام الله عليه في نهج البلاغة أثناء وصفه لأحوال المتّقين: أمّا اللَيلُ فَصَآفُّونَ أقدامَهُم تالِينَ لأجزَآءِ القُرآنِ يُرَتِّلُونَهُ تَرتِيلًا، يُحَزِّنُونَ بِهِ أنفُسَهُم ويَستَثِيرُونَ بِهِ دَوَآءَ دَآئِهِم، فَإذا مَرُّوا بِآيَة فيها تَشوِيقٌ، رَكَنُوا إلَيها طَمَعًا، وتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُم إلَيها شَوقًا، وظَنُّوا أنَّها نُصبُ أعيُنِهِم، وإذا مَرُّوا بِآيَةٍ فيها تَخوِيفٌ أصغَوا إلَيها مَسامِعَ قُلُوبِهِم، وظَنُّوا أنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وشَهِيقَها فى أصُولِ آذانِهِم!
فيَصِلُ يقينهم إلى الحدّ الذي يقول فيه:
فَهُم وَالجَنَّة كَمَن قَد رَآهَا فَهُم فِيها مُنَعَّمُونَ، وهُم والنّارُ كَمَن قَد رَآهَا فَهُم فِيها مُعَذَّبونَ.[19]
وجاء في كتاب الكافي عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أباعبدالله عليه السّلام يقول:
إنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم صَلَّى بِالنّاسِ [الصُّبحَ‏] فَنَظَرَ إلَى شابٍّ في المَسجِدِ وهُوَ يَخفِقُ ويَهوِي بِرَأسِهِ، مُصفَرّاً لَونُهُ قَد نَحِفَ جِسمُهُ وغارَت عَيناهُ في رَأسِهِ؛ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله: كَيفَ أصبَحتَ يا فُلانُ؟ قالَ: أصبَحتُ يا رَسُولَ اللهِ مُوقِناً! فَعَجِبَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله مِن قَولِهِ وقالَ له: إنَّ لِكُلِّ يَقِينٍ حَقِيقَة، فَما حَقِيقَة يَقِينِكَ؟ فَقالَ: إنَّ يَقِينِيَ يا رَسُولَ اللهِ هُوَ الَّذى أحزَنَنِي وأسهَرَ لَيلِيَ وأظمَأ هَواجِرِي، فَعَزَفَتْ[20] نَفسِي عَنِ الدُّنيا وما فيها؛ حَتَّى كَأنِّي أنظُرُ إلَى عَرشِ رَبِّي وقَد نُصِبَ لِلحِسابِ وحُشِرَ الخَلائِقُ لِذَلِكَ وأنا فيهِم، وكَأنِّي أنظُرُ إلَى أهلِ الجَنَّة يَتَنَعَّمُونَ في الجَنَّة ويَتَعارَفُونَ وعَلَى الأرائِكِ مُتَّكِئُونَ، وكَأنِّي أنظُرُ إلَى أهلِ النّارِ وهُم فيها مُعَذَّبُونَ مُصطَرِخُونَ، وكَأنِّى الآنَ أسمَعُ زَفِيرَ النّارِ يَدُورُ فى مَسامِعِي. فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله [لأصحابِهِ‏]: هَذا عَبدٌ نَوَّرَ اللهُ قَلبَهُ بِالإيمانِ. ثُمَّ قالَ لَهُ: الزَم ما أنتَ عَلَيهِ! فَقالَ الشّابُّ: ادعُ اللهَ لِي يا رَسُولَ اللهِ أن أُرزَقَ الشَّهادَة مَعَكَ! فَدَعا لَهُ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله، فَلَم يَلبَثْ أن خَرَجَ فى بَعضِ غَزَواتِ النَّبِىِّ صلّى الله عليه وآله فَاستُشهِدَ بَعدَ تِسعَة نَفَرٍ وكانَ هُوَ العاشِرَ.[21]
ويظهر من بعض الروايات أنّ هذا الشاب هو زيد. وأورد هذه القصّة في كتابه الملاّ محمّد البلخيّ قائلاً [22]:
گـفـت پيـغمـبر صبـاحى زيـد را:
                             «كيف أصبحت؟» اى رفيق با صفا
گفت:«عبداً مومناً» باز اوش گفت:
                             كو نشـان از باغ ايمان گر شكفت‏؟

إلى أن يقول:
جمله را چـون روز رستـاخيز من
                             فـاش مى‏بيـنم عيـان از مـرد وزن‏
هين بگويـم يا فروبنـدم نــفس؟
                             لب گزيدش مصطفى يعنى كه بس‏

[والمعنى: ذات صباح قال الرسول صلّى الله عليه وآله لزيد: كيف أصبحت أيّها الرفيق ذو الصفاء؟
قال: عبداً مؤمناً. فقال له ثانياً: وما علامة حديقة الإيمان إن كانت قد تفتّحت في قلبك؟
إلى أن يقول:
أنا أراهم عياناً كما يكونون يوم الحشر، جميعهم من رجال أو نساء
أفتريد أن أستمرّ في البيان أم أصمت؟ فعضّ المصطفى شفتيه أن اصمت]
.

    

قارئ القرآن يناجي ربّه و يكلمه

نعم, لقد كان هؤلاء قوماً يناجون ربّهم ويكلّمونه! ولأنّ آيات القرآن من الله تعالى، فقد كانت تستقّر في أرواحهم, وكانوا فيما بينهم وبين أنفسهم في حالة حديث وحوار مع الله، تدور بينهم آلاف الأسرار والأحاديث الممتعة والمناجيات.
ويروي في الكافي عن حفص عن موسى بن جعفر عليهما السّلام، يقول فيها حفص:
فَإذا قَرَأ عليه السّلام فَكَأنَّهُ يُخاطِبُ إنسانًا.[23]
يروي في كتاب المحجّة البيضاء عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام أنّه عليه السلام كان:
إذا مَرَّ {يا أَيُّهَا النَّاس}، {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا} قالَ: لَبَّيك رَبَّنا! وإذا خَتَمَ سُورَة الشَّمسِ قالَ: صَدَقَ اللهُ وصَدَقَ رَسولُه! وإذا قَرَأ {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُون}[24] قالَ: اللهُ خَيرٌ، اللهُ أكبَرُ! وإذا قَرَأ {ثُمَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُون}[25] قالَ: كَذِبَ العادِلونَ بِاللهِ وإذا قَرَأَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ فِي الْمُلْك} الآية[26]، كَبَّرَ ثَلاثًا؛ وإذا فَرَغَ مِنَ الإخلاصِ قالَ: كَذلِكَ اللهُ رَبِّى! ورَوَى عِندَ قَولِهِ تَعالَى {فَمَنْ يَأْتيكُمْ بِماءٍ مَعين}[27]: اللهُ رَبَّنا! وعِندَ قَولِهِ {أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِىَ الْمَوْتى}[28]: سُبحانَكَ بَلَى! وعِندَ قَولِهِ {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ‏ نَحْنُ الْخالِقُون}[29]: بَل أنتَ اللهُ الخالِقُ! وعِندَ {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُون}[30]: بَل أنتَ اللهُ الزّارِعُ! وعِندَ {أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُن}[31]: بَل أنتَ اللهُ المُنشِئ! وعِندَ قَولِهِ عَزّوَجَلَّ {فَبِأَىِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبان}: لا بِشَى‏ءٍ مِن آلائِكَ رَبِّ أكَذِّبُ! إلى غَيرِ ذَلِكَ. قالَ المُحقِّقُ الفِيضُ (ره): والظّاهِرُ انسِحابُهُ إلى كُلِّ ما يُناسِبُ.[32]
فهذه الحالة من قراءة القرآن تبعث على لذّة كبيرة جدّاً, حيث تتحقّق المناجاة الحقيقيّة وترتفع جميع الموانع والحجب بين المخلوق والخالق، كما كان الشيخ الكبير المستنير القلب حبيب بن مظاهر الأسدي الذي كان حليفاً للقرآن وكان نور القرآن متغلغلاً في قلبه حتّى صار يخبر عن الغيب.

    

حبيب بن مظاهر الأسدي حليف القرآن

يقول المرحوم المحدّث القمّي في سفينة البحار:
وَيَظهَرُ مِنَ الرِّواياتِ أنَّهُ كانَ مِن خاصَّتِهِ [أميرِالمُؤمِنينَ‏] عَلَيهِ السَّلامُ وحَمَلَة عِلمِهِ.[33]
وروى الشيخ الكشّي عن الفضيل بن الزبير، قال:
مَرَّ مِيثَمٌ التَّمّارُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَاستَقبَلَه حَبِيبٌ بنُ مُظاهِرٍ الأسَدِىُّ عِندَ مَجلِسِ بَنِى أسَدٍ، فَتَحَدَّثا حَتَّى اختَلَفَت أعناقُ فَرَسَيهِما؛ ثُمَّ قالَ حَبِيب: فَكَأنّي بِشَيخٍ أصلَعَ ضَخمِ البَطنِ يَبيعُ البِطّيخَ عِندَ دارِ الرِّزقِ، قَد صُلِبَ في حُبِّ أهلِ بَيتِ نَبيِّهِ، ويُبقَرُ بَطنُهُ عَلَى الخَشَبَة. فَقالَ مِيثَمُ: وإنّى لأعرِفُ رَجُلًا أحمَرَ، لَهُ ضَفيرَتانِ، يَخرُجُ لِنُصرَة ابنِ بنت نبيّه فيقتل ويُجال برأسه في الكوفة؛ ثُمَّ افتَرَقا. فَقالَ أهلُ المَجلِسِ: ما رَأيْنا أحَدًا أكذَبَ مِن هَذَينِ! قالَ: فَلَم يَفتَرِقْ أهلُ المَجلِسِ حَتَّى أقبَلَ رُشَيدٌ الهَجَريُّ فَطَلَبَهُما، فَسَألَ أهلَ المَجلِس عَنهُما. فَقالوا: افتَرَقا، وسَمِعناهُما يَقولانِ كذا وكذا. فَقال رُشَيدٌ: رَحِمَ اللهُ مَيثَمًا! نسيَ: ويُزادُ في عَطآءِ الَّذى يَجى‏ءُ بِالرَّأسِ مائة دِرهَمٍ؛ ثُمَّ أدبَرَ. فَقال القَومُ: هَذا واللهِ أكذَبُهُم! فَقال القَومُ: واللهِ ما ذَهَبَتِ الأيّامُ واللَيالي حَتَّى رَأينا مَيثَمًا مَصلوبًا عَلَى بابِ دارِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ، وجي‏ءَ برَأسِ حَبيبِ بنِ مَظاهِرٍ وقَد قُتِلَ مَعَ الحُسَينِ عَلَيهِ السَّلامُ؛ ورَأينا كُلَّ ما قالوا![34]
أجل، لقد استشهد حبيب بن مظاهر بين يدي سيّد الشهداء عليه السلام مع سبعين شخصاً كانوا معه في كربلاء.
وعن الشيخ أبي عمرو الكشّي (ره):
وَكانَ حَبيبٌ (ره) مِنَ السَّبعينَ الرِّجالِ الَّذينَ نَصَروا الحُسَينَ عَلَيهِ السَّلامُ ولَقَوا جِبالَ الحَدِيد واستَقبَلوا الرِّماحَ بِصُدورِهِم والسُّيوفَ بِوُجوهِهِم، وهُم يُعرَضُ عَلَيهِمُ الأمانُ والأموالُ فَيَأبَونَ، ويَقولونَ: لا عُذرَ لَنا عِندَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ إن قُتِلَ الحُسَينُ عَلَيهِ السَّلامُ ومِنّا عَينٌ تَطرَفُ! حَتَّى قُتِلوا حَولَهُ؛ انتهى.[35]
قام حبيب بن مظاهر في يوم عاشوراء وهو يضحك؛ فقال له يزيد بن حصين الهمداني وكان يُقال له سيّد القرّاء:
يا أخي! لَيسَ هَذِهِ ساعَة ضِحكٍ! قال: فَأيُّ مَوضِعٍ أحَقُّ مِن هَذا بِالسُّرورِ؟! واللهِ ما هُوَ إلّا أن تَميلَ عَلَينا هَذِهِ الطُّغاة بِسُيوفِهِم فَنُعانِقَ الحورَ العينَ![36]
وروى أبو مخنف، فقال:
لَمّا قُتِلَ حَبِيبُ بنُ مَظاهِرٍ، هَدَّ ذَلِكَ حُسَينًا وقالَ عِندَ ذَلِكَ: أحتَسِبُ نَفسِي وحُماة أصحابِي![37]
وورد في بعض المقاتل أنّه قال له: لله درّك يا حبيب! فأنت الرجل الذي كنت تختم القرآن في كلّ ليلة.[38]


[1] ـ سوره الإنسان (76) آيه 23 و 24.

[2] ـ المحجّة البيضاء، ج 2، ص 210، و ص 211، نقلًا عن إحياء العلوم.

[3] ـ المحجّة البيضاء، ج 2، ص 210، و ص 211 نقلًا عن إحياء العلوم.

[4] ـ [أي يجعلك الله به قبيحاً سيّئاً].

[5] ـ [نولك أن تفعل كذا: أي حقّك وينبغى لك؛ وأصله من التناول].

[6] ـ [أي لا يمنع ويدفع من يمنعه ويدفعه].

[7] ـ الكافي، ج 2، ص 604.

[8] ـ الكافي، ج 2، ص 604

[9] ـ على ما فى المحجّة البيضاء، ج 2، ص 210، نقلًا عن الغزالى برواية العامّة.

[10] ـ نفس المصدر.

[11] ـ الكافى، ج 2، ص 611.

[12] ـ نفس المصدر.

[13] ـ نفس المصدر.

[14] ـ نفس المصدر. أقول المراد من المسبّحات سور خمس تبدأ كلّ منها بـ«سبّح» أو «يسبّح».

[15] ـ نفس المصدر السابق.

[16] ـ سوره المائدة (5) آيه 83.

[17] ـ سورة الحج ,آية 34.

[18] ـ سورة الزمر, آية 23.

[19] ـ نهج البلاغة، شرح عبده، ج 2، ص 161.

[20] ـ عزفت نفسه عن الشيء: زهدت فيه. وعَزَفَ نَفْسَهُ عن كذا: منعها عنه.

[21] ـ سفينة البحار، ج 2، ص 733؛ منقولاً عن الكافى، ج 2، ص 53.

[22] ـ مثنوي معنوي، في أواخر الجزء الأوّل, طبع ميرخاني, ص92.

[23] ـ الكافى، ج 2، ص 606.

[24] ـ سوره النّمل (27) ذيل آيه 59.

[25] ـ سوره الأنعام (6) ذيل آيه 1.

[26] ـ سوره الإسرآء (17) قسم من الآيه 111.

[27] ـ سوره ملك (67) ذيل آيه 30.

[28] ـ سوره القيامة (75) آيه 40.

[29] ـ سوره الواقعة (56) آيه 59.

[30] ـ سوره الواقعة (56) ذيل آيه 64.

[31] ـ سوره الواقعة (56) ذيل آيه 72.

[32] ـ المحجة البيضاء، ج 2، ص 228.

[33] ـ سفينة البحار، ج 1، ص 202.

[34] ـ سفينة البحار، ج 1، ص 203؛ بحار الأنوار، ج 45، ص 92، منقولاً عن رجال الكشّى.

[35] ـ على ما نقل عنه في سفينة البحار، ج 2، ص 11، ورواه أيضاً في السفينة، ج 1، ص 203؛ وفي بحار الأنوار، ج 45، ص 93.

[36] ـ سفينة البحار، ج 1، ص 203 و ص 204؛ وفي بحار الأنوار، ج 45، ص 93.

[37] ـ سفينة البحار، ج 1، ص 203؛ كلمات الامام الحسين عليه السّلام، ص 446، به نقل از تاريخ طبرى، ج 3، ص 327، ومقتل الحسين عليه السّلام للخوارزمي، ج 2، ص 19، وبحار الأنوار، ج 45، ص 27.

[38] ـ منتهى الآمال، ج 1، ص 363؛ كلمات الامام الحسين عليه السّلام، ص 446.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->