معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب أنوار الملكوت > نور ملكوت القرآن > نور ملكوت القرآن ـ المجلس الأول: القرآن الكريم كتاب الهداية الخالد.

_______________________________________________________________

هو العليم

أنوار الملكوت

نور ملكوت القرآن

المجلس الأول: القرآن الكريم كتاب الهداية الخالد

تفسير آية {إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدى لِلَّتى هِىَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنينَ الَّذينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبيرا}

(مواعظ شهر رمضان المبارك من عام 1390 )

من مصنّفات العلاّمة الراحل

آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدس الله نفسه الزكيّة

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                          

بسم الله الرحمن الرحيم
و الصّلاة على محمّد و آله الطّاهرين
و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدّين

{إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدى لِلَّتى هِىَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنينَ الَّذينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبيرا} [1]

    

استعمال الإنزال في النزول الدفعي للقرآن الكريم والتنزيل في النزول التدريجي

لا شكّ أنّ القرآن كتاب سماويّ نزل به جبرئيل الأمين من عند ربّ العزّة على قلب خاتم المرسلين محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه و آله و سلّم.
وقد نزل القرآن أوّل مرّة بتمامه دفعة واحدة، كما يشير إليه قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضانَ الذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآن‏}[2]، وقوله تعالى في سورة الدخان:{ أَنْزَلْناهُ فى لَيْلَة مُبارَكَة إِنَّا كُنَّا مُنْذِرين }[3]، وقوله تعالى في سورة القدر: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فى لَيْلَة الْقَدْر}[4]. و من الواضح أنّ الليلة المباركة هي نفسها ليلة القدر، و حيث إنّ هذه الليلة هي إحدى ليالي شهر رمضان فإن القرآن قد أُنزل في هذا الشهر المبارك. ولكنّ هذا النزول كان دفعيّاً، بمعنى: أنّه نزل في آن واحد إلى السماء الدنيا أو على القلب المبارك للنبي الأكرم. و يشهد لذلك أنّ كلمة "إنزال" قد استعملت في جميع الآيات القرآنيّة التي تحدّثت عن النزول الدفعي، و هذه الكلمة عند العرب إنّما تستعمل في موارد النزول الدفعي.
وقد نزل القرآن بنزول آخر على النبي الأكرم، و لكن هذه المرّة كان النزول تدريجيّاً على مراحل امتدّت ثلاثة وعشرين عاماً من أوّل البعثة حتّى زمان ارتحال النبيّ الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلم، وذلك بحسب المقتضيات والإمكانات، كما يشير إليه قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزيلاً}[5]، و مثله ما ورد في الآية 82 من سورة الإسراء: {وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَة لِلْمُؤْمِنين‏}. وأوضحُ منهما قوله تعالى: {وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزيلا}[6]؛ إذ عبّر في هذه الآيات الشريفة عن هذا النزول بـ "التنزيل" الذي يُستعمل في موارد النزول التدريجيّ عند العرب. والفرق بين هذين النزولين للقرآن الكريم هو الفرق بين الإجمال والتفصيل، كما قال تعالى: {كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكيمٍ خَبير}[7] و كما ورد في قوله تعالى : {إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَ إِنَّهُ فى‏ أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِىٌّ حَكيم‏}.[8]
فالقرآن الذي نزل دفعةً واحدةً هو القرآن المحكم، أي: القرآن العاري عن التفصيل من جميع الجهات، فهو يخلو من الحدّ و من السور و الآيات، وأمّا القرآن التدريجيّ فهو قرآن مفصّل؛ أي: إنّه قابل للقراءة و فيه سور متمايزة و آيات منفصلة عن بعضها البعض، و جميع هذا القرآن المفصّل و المبيّن بتمامه و بنحو أتمّ و أعلى موجودٌ في ذلك القرآن المحكم، فكأنّ القرآن المحكم عين فوّارة من الماء الصافي قد أُعطيَ نبعُها دفعة واحدة للنبيّ، ثم اُعطيَ الماء الخارج منها له ثانية بشكل تدريجي. كما يمكن تشبيه ذلك بمَلَكة الرسم أو كتابة الخطوط الجميلة أو سائر الحرف و الصنائع المختلفة؛ إذ إنّ أصل الملكة يكون موجوداً في صاحب الملكة بلا حدّ و لا شكل ولا مقدار، و بواسطة هذه الملكة يقوم الرسّام مثلاً برسم لوحات فنّية متعدّدة و مختلفة بشكل تدريجي، كما يقوم الخطّاط بكتابة الخطوط المختلفة، و هكذا فإنّ كلّ واحد من أصحاب الحرف و الصنائع يقوم بإبراز الملكة التي عنده إلى عالم الفعل و الخارج بشكل محدود و معيّن. إنّ ذلك القرآن المحكم الذي نزل بشكل دفعي عبارة عن حقيقة عالية راقية، وأمّا هذا القرآن الذي يحوي ثلاثين جزءاً و فيه مائة وأربعة عشر سورة فهو عبارة عن تنزّل ذلك القرآن العالي على شكل الآيات والسور التي نزلت على حسب المصالح و المقتضيات بشكل منفصل و مقطّع، ليظهر بهذا الشكل المحدود المشخّص.
وليُلعم أيضاً: إنّ بعثة خاتم الأنبياء و المرسلين ليست مختصّة بزمان معيّن و لا مكان كذلك، كما إليه الإشارة بقوله تعالى: {وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَة لِلْعالَمين‏}[9]، وقوله تعالى: { وَ ما أَرْسَلْناك‏ إلاّ كَافَّة لِلنَّاس‏}[10]. وهكذا الكلام في القرآن المجيد ـ الذي هو وحي الله النازل عليه ـ فهو أيضاً لجميع الناس إلى يوم القيامة ولا يختصّ بزمان معيّن و لا مكان محدّد: { فَالَّذينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذى أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون‏}.[11]

    

لزوم اتّباع القرآن على جميع أفراد البشر

وعليه فينبغي على جميع أفراد البشر أن يتّبعوا هذا القرآن الكريم، كما يلزم عليهم أن يصحّحوا عقائدهم و آراءهم و أخلاقهم و ملكاتهم و خواطرهم و أفكارهم و أعمالهم و يقوّموها على أساس القرآن المجيد، فإن فعلوا ذلك كان الفلاح و الفوز الأبديّ من نصيبهم.
أورد المرحوم الكليني في «الكافي»، ومحمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره كلّ بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أنّه قال:
«قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيه و آلِه: أيُّها النّاسُ! إنَّكُم في دارِ هُدنَة[12]، و أنتُم عَلَى ظَهرِ سَفَرٍ، و السَّيرُ بِكُم سَرِيعٌ، و قَد رَأيتُمُ اللَّيلَ و النَّهارَ و الشَّمسَ و القَمَرَ يُبلِيانِ كُلَّ جَدِيدٍ و يُقَرِّبانِ كُلَّ بَعِيدٍ و يَأتِيانِ بِكُلِّ مَوعُودٍ، فَأعِدُّوا الجَهازَ لِبُعدِ المَجازِ.
قالَ: فَقامَ المِقدادُ بنُ الأسوَدِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ! و ما دارُ الهُدنَة؟ فَقالَ: دارُ بَلاغٍ و انْقِطاعٍ. فَإذا التَبَسَتْ عَلَيكُمُ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ فَعَلَيكُم بِالقُرآنِ؛ فَإنَّهُ شافِعٌ مُشَفَّعٌ و ماحِلٌ مُصَدَّقٌ. و مَن جَعَلَهُ أمامَهُ قادَهُ إلَى الجَنَّة، و مَن جَعَلَهُ خَلفَهُ ساقَهُ إلَى النّارِ. و هُوَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى خَيرِ سَبِيلٍ، و هُوَ كِتابٌ فِيهِ تَفصِيلٌ و بَيانٌ و تَحصِيلٌ، و هُوَ الفَصلُ [و] لَيسَ بِالهَزلِ، و لَهُ ظَهرٌ و بَطنٌ، فَظاهِرُهُ حُكمٌ، و باطِنُه‏ عِلمٌ، ظاهِرُهُ أنِيقٌ، [13] و باطِنُهُ عَمِيقٌ، له تخومٌ[14]، و على تُخُومِه تخومٌ [لَهُ نُجُومٌ و عَلَى نُجُومِهِ نُجُومٌ‏]. لا تُحصَى عَجائِبُهُ، ولا تُبلَى غَرائِبُهُ. فِيهِ مَصابِيحُ الهُدَى، و مَنارُ الحِكمَة، و دَلِيلٌ عَلَى المَعرِفَة لِمَن عَرَفَ الصِّفَة.[15] فَليَجلُ جالٍ بَصَرَهُ، و ليُبلِغِ الصِّفَة نَظَرَهُ، يَنجُ مِن عَطَبٍ، و يَتَخَلَّص مِن نَشَبٍ؛ فَإنّ التَّفَكُّرَ حَياة قَلبِ البَصِيرِ، كَما يَمشِى المُستَنِيرُ فى الظُّلُماتِ بِالنُّورِ. فَعَلَيكُم بِحُسنِ التَّخَلُّصِ و قِلَّة التَّرَبُّصِ»
.[16]
والشافع هو المعين و المساعد، و يطلق الشفيع على الزوج؛ لأنّ الزوج هو لأداء عمل معيّن. فالقرآن مساعد و معين، ولا يمكن للناس أن يصلوا إلى المقصد والغاية النهائيّة من خلال الاعتماد على أفكارهم و استعداداتهم فقط، إلاّ إذا كان القرآن شفيعاً لهم في ذلك، و قاموا بمحاكمة و تقويم جميع مراتب وجودهم في شؤون الدنيا والآخرة على أساس القرآن، واستمدّوا الطاقة من هذا المصباح المنير. إنّ شفاعة القرآن هي مصدر و منشأ شفاعته في الآخرة و ملازمة لها؛ إذ إنّ القرآن الكريم إنّما يشفع للأفراد الذين حافظوا على علاقتهم المعنويّة بالقرآن الكريم، فوضعوا القرآن نصب أعينهم، واتّخذوه قائداً و دليلاً لهم، لا لأولئك الأشخاص الذين جعلوا القرآن وراء ظهورهم واتّبعوا أهواءهم و استبدّوا بآرائهم، تاركين تعاليم القرآن وإرشاداته. ومعه فإن حيث انقطعت علاقة الإنسان بالقرآن الكريم، فلن يكون القرآن شفيعاً لمثل هذا الشخص، بل سيكون عدوّاً ماحلاً له يسعى في ضرره و إفساد أموره، و يضع المشاكل و العقبات له في الدنيا و الآخرة، و يجلب له المصائب و النكبات و المصاعب، و حتّى لو جمع أموالاً كثيرة و ادخّر ما أراد من حطام الدنيا، إلاّ أنّ حرقة القلب و تشويش الخاطر و الخوف الأبديّ ستهدّده دائماً، كمن يحترق في جهنّم قبل أن يدخلها. إنّ هذه القرآن يصيب بذلك من أعرض عنه و ابتعد عن هديه. و هو أمر صدّقه الله سبحانه و تعالى و أمضاه بقوله: { وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرى فَإِنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَة أَعْمى، قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنى أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصيراً، قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى‏ }.[17]
وإنّ القرآن يتكفّل بتمام اُمور الإنسان (الظاهريّة والباطنيّة، الجسميّة و الروحيّة .. في معاشه و معاده) لذا فإنّ إعراضه عن ذكر الله سيؤدّي إلى اختلال اُموره الظاهريّة، كما أنّ بصيرته الباطنيّة ستظلّ مظلمة لا نور فيها، ليحشر يوم القيامة أعمى القلب و البصيرة.
إنّ القرآن دليل و هادٍ لا نظير له يدعو الإنسان إلى أفضل السبل، و بيان يغني الإنسان و يروي عطش روحه وظمأها. وللقرآن حدّ ونهاية، و لكن بمجرّد أن نصل إلى تلك الغاية سنكتشف أنّ هناك نهايات أخرى أمامنا لا يمكن بلوغها مهما سرنا و تقدّمنا.

    

مشاركة المرحوم النائيني في دروس المولى فتحعلي سلطان آبادي في تفسير القرآن

أفاد المرحوم آية الله السيّد محسن الحكيم الطباطبائي أنّ اُستاذه المرحوم الميرزا محمّد حسين النائيني (ره) نقل له القصّة التالية: كنّا نذهب إلى درس المرحوم آية الحقّ الآخوند المولى فتحعلي سلطان آبادي، وذات يوم قام بتفسير آية من الآيات الكريمة لنا، و كان تفسيره بديعاً و جذّاباً جدّاً بالنسبة لنا إلى درجة أنّنا قلنا في أنفسنا: إنّ أحداً لم يفسّر هذه الآية بهذا الشكل حتّى الآن، و قد بيّن الأستاذ اليوم لنا حقيقة و باطن هذه الآية. و في اليوم التالي حضرنا درس التفسير لنجد أنّ الأستاذ يفسّر نفس تلك الآية بطريقة أخرى لا علاقة لها بتفسير الأمس أبداً، فكان ذلك داعياً لدهشتنا و استغرابنا الشديدين؛ لأنّنا بالأمس كنّا نتصوّر أنّ الأستاذ قد قام بتفسيرها كما ينبغي لها، وأنّه لم يترك مجالاً لأي إضافة، ثمّ تبيّن لنا اليوم أنّ مطالب أخرى كانت مخفيّة في الآية لم نكن قد التفتنا لها أبداً، و لولا أنّ الأستاذ قد بيّنها في ذلك اليوم لما أمكننا أن ندركها أصلاً. ولمّا ذهبنا في اليوم التالي إلى الدرس مرّة اُخرى قام الأستاذ بتفسير الآية بطريقة ثالثة مبيّناً أحد معانيها الباطنية. و خلاصة الأمر فقد استمرّ هذا الأمر من الأستاذ لمدّة ثلاثين يوماً؛ إذ كان يفسّر الآية في كلّ يوم من جهّة خاصّة تختلف عمّا سبق له أن بيّنه، و قد كان ذلك باعثاً للتعجّب الشديد.[18]
بلى، إنّ باطن القرآن عميق، و هو بحاجة إلى شخص مؤهّل لكي يصل إلى قعره و عمقه. يوجد في هذا القرآن مصابيح هداية منيرة من أجل هداية التائهين، و هو محلّ النور و الحكمة، كما أنه دليل قائد للوصول إلى مقام المعرفة، وذلك للشخص الذي عرف الطريق و صفة التعرّف و سلّم قلبه للقرآن طالباً الوصول إلى المعرفة من خلال طريق القرآن. فعلى من أراد أن يجلو عين بصيرته أن يلجأ إلى القرآن لتحقيق ذلك و لكي يصل ببصيرته إلى صفة التعرّف و طريق المعرفة، فينجو من الصعوبات و يتخلّص من عقبات الطريق و المشاكل التي تعترضه.
إنّ التفكّر في القرآن الكريم يوجب زيادة البصيرة و يوجد النور في عين القلب، و هو في ذلك كالنور الحسّي الذي نقطع بواسطته الطرقات المظلمة. ولذلك أيّها الناس، يجب عليكم أن تتخلّصوا من أهوائكم الشخصيّة بشكل تامّ، و تتمسّكوا بعروة القرآن الكريم، وتخرجوا فوراً من الشكّ و الترديد.

    

استيلاء طهارة القرآن الكريم على وجود الإمام الحسن عليه السلام

كان وجود الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وحياته على أساس القرآن: كانت حقيقة القرآن هي روحه و جسمه. لقد استولت طهارة القرآن على كلّ وجوده، ليحلّ النور مكان الظلمات، فقد كان يعيش في عالم من العظمة و العلم و الإرادة بعظمة الله و علمه و إرادته.
يروي الكناسي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:
خَرَجَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عَلَيهما السّلامُ في بَعضِ عُمَرِهِ و مَعَهُ رَجُلٌ مِن وُلدِ الزُّبَيرِ، كانَ يَقُولُ بِإمامَتِهِ. فَنَزَلُوا في مَنهَلٍ[19] مِن تِلكَ المَناهِلِ تَحتَ نَخلٍ يابِسٍ قَد يَبِسَ مِنَ العَطَشِ؛ فَفُرِشَ لِلحَسَنِ عَلَيه السّلامُ تَحتَ نَخلَة و فُرِشَ لِلزُّبَيرِيِّ بِحِذاهُ تَحتَ نَخلَة أخرَی. فَقالَ الزُّبَيرِيُّ ـ و رَفَعَ رَأسَهُ ـ : لَو كانَ في هَذا النَّخلِ رُطَبٌ لَأكَلنا مِنهُ! فَقالَ لَهُ الحَسَنُ عليه السّلام: و إنَّكَ لَتَشتَهِي الرُّطَبَ؟ فَقالَ الزُّبَيرِيُّ: نَعَم! فَرَفَعَ [يَدَهُ] رَأسَهُ إلَی السَّماءِ فَدَعا بِكَلامٍ لَم أفهَمهُ، فَاخضَرَّتِ النَّخلَة ثُمَّ صارَت إلَی حالِها فَأورَقَت و حَمَلَت رُطَبًا. فَقالَ الجَمّالُ الَّذِي اكتَرَوا مِنهُ: سِحرٌ و اللهِ! فَقالَ الحَسَنُ عَلَيه السّلامُ: وَيلَكَ لَيسَ بِسِحرٍ! ولَكِن دَعوَة ابنِ نَبِيٍّ مُستَجابَة. قالَ: فَصَعِدُوا إلَی النَّخلَة فَصَرَمُوا ما [كانَ فِيهِ] فيها فَكَفاهُم.[20]

    

سفر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إلى الحجّ ماشياً

و عن أبي أسامة[21] عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) أنّ الحسن (عليه السلام) خرج من مكّة ماشياً إلى المدينة، فتوّرمت قدماه، فقيل له : لو ركبت ليسكن عنك هذا الورم، فقال: « كلاّ، ولكنّا إذا أتينا المنزل فإنّه يستقبلنا أسودٌ معه دهن يصلح لهذا الورم، فاشترُوا منه ولا تُماكِسوه». فقال له بعض مواليه: ليس أمامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء. فقال : « بلى، إنّه أمامنا». وساروا أميالاً فإذا الأسود قد استقبلهم، فقال الحسن لمولاه: « دونك الأسود، فخذ الدهن منه بثمنه». فقال الأسود : لمن تأخذ هذا الدهن؟ قال : للحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام). قال : انطلق بي إليه . فصار الأسود إليه فقال الأسود: يا ابن رسول الله، إنّي مولاك لا آخذ له ثمناً، ولكن ادع الله أن يرزقني ولدا سويّاً ذكراً يحبّكم أهل البيت؛ فإنّي خلّفت امرأتي تمخض. فقال : « انطلق إلى منزلك؛ فإنّ الله تعالى قد وهب لك ولدًا ذكراً سويّاً». فرجع الأسود من فوره، فإذا امرأته قد ولدت غلاماً سويّاً، ثمّ رجع الأسود إلى الحسن (عليه السلام) ودعا له بالخير بولادة الغلام له. وإنّ الحسن قد مسح رجليه بذلك الدهن، فما قام عن موضعه حتّى زال الورم.[22]

    

وصيّة الإمام الحسن عليه السلام لأخيه الإمام الحسين عليه السلام

كان الإمام الحسن عليه السلام ـ طبقاً لما ورد في «الكافي» ـ قد أخبر عن الأحداث التي ستحصل بعد وفاته و المواجهة التي ستحصل مع عائشة. أورد محمّد بن يعقوب الكليني بإسناده نقلاً عن محمّد بن مسلم:
قال: سَمِعتُ أبا جَعفَرٍ عَلَيه السّلامُ يَقُولُ: « لَما حَضَرَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ عَلَيهما السّلامُ الوَفاة قالَ لِلحُسَينِ عَلَيه السّلامُ: يا أخِي! إنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّة فاحفَظها. إذا أنا مِتُّ فَهَيِّئنِي، ثُمَّ وَجِّهنِي إلَی رَسُولِ اللهِ صَلّی الله عَلَيه و آلِه و سَلّم لأُحدِثَ بِهِ عَهدًا، ثُمَّ اصْرِفنِي إلَی أُمِّي، ثُمَّ رُدَّنِي، فادفِنِّي بِالبَقِيعِ. و اعْلَمْ أنَّهُ سَيُصِيبُنِي مِن عائِشَة ما يَعلَمُ اللهُ و النّاسُ [صَنِيعُها] من بُغضِها و عَداوَتِها لِلَّهِ و لِرَسُولِهِ و عَداوَتُها لَنا أهلَ البَيتِ [23]؛ الحديث.
و روى الصدوق في «الأمالي» بإسناده عن علي بن الحسين عليه السلام:
« أنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيّ بن أبي ‌طالب دَخَلَ علی الحَسَنِ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيهِ بَكَی. فَقالَ: ما يُبكيكَ يا أبا عَبدِ الله؟ فقالَ: أبكِي لِما صُنِعَ بِكَ. فَقالَ لَهُ الحَسَنُ: إنَّ الَّذِي يُؤتَی لي فسَمٌّ يُدَسُّ لي فَأقْتَلُ به، ولَكِنْ لا يَومَ كَيَومِكَ يا أبا عَبدِ الله: يَزدَلِفُ إلَيكَ ثَلاثُونَ ألفَ رَجُلٍ يَدَّعُونَ أنَّهُمْ مِن اُمَّة جَدِّنا مُحَمَّدٍ [صلّی الله عليه و آله و سلّم] و يَنتَحِلُونَ دِينَ الإسلامِ، فَيَجتَمِعونَ عَلَی قَتلِكَ وَ سَفكِ دَمِكَ و انتِهاكِ حُرمَتِكَ و سَبيِ ذَرارِيكَ و نِسائِكَ و انْتِهابِ ثِقلِكَ».[24] الحديث.

    

أشعار الإمام الحسين عند دفن الإمام الحسن عليهما السلام

وذكر في «مناقب» ابن شهر آشوب ما يلي: قال الحسين لمّا وضع الحسن في لحده:
أأدهُنُ رَأسِي أم تَطِيبُ مَحاِسنِي
                             و رَأسُكَ مَعفُورٌ [25]و أنتَ سَلِيبٌ


فَلا زِلتُ أبكِي ما تَغَنَّت حَمامَة
                             عَلَيكَ و ما هَبَّت صَبًا و جَنُوبٌ


بُكائِي طَوِيلٌ و الدُّمُوعُ غَزِيرَة
                             و أنتَ بَعِيدٌ و المَزارُ قَرِيبٌ


فَلَيسَ حَرِيبًا[26] مَن اُصِيبَ بِمالِهِ
                             و لَكِنَّ مَن وارَی أخاهُ حَرِيبٌ[27]


[1] ـ سورة الإسراء، الآية: 9 .

[2] ـ سورة البقرة، الآية: 185 .

[3] ـ سورة الدخان، الآية: 3 .

[4] ـ سورة القدر، الآية: 1 .

[5] ـ سورة الإنسان، الآية: 23 .

[6] ـ سورة الإسراء، الآية: 106 . قال الراغب في "المفردات" : المكث: ثبات مع انتظار ، و قال صاحب "لسان العرب" : المُكْثُ: الأَناةُ و اللَّبَثُ و الانتظار ، و المَكِيثُ: الرَّزينُ الذي لا يَعْجَل في أَمره‏. (م)

[7] ـ سورة هود، الآية: 1 .

[8] ـ سورة الزخرف، الآيات: 3 و 4 .

[9] ـ سورة الأنبياء، الآية: 107 .

[10] ـ سورة سبأ، الآية: 28 .

[11] ـ سورة الأعراف، الآية: 157 .

[12] ـ [الهدنة بمعنى السكون و الصلح بين المسلمين و الكفّار، وكذلك العهد بين أي جيشين متخاصمين]

[13] ـ الأنق: الفَرَحُ و السُّرورُ؛ قَد أنِقَ بِالكسرِ يَأنِقُ الشيءَ: أحَبَّهُ. و أنيق: أي حَسَنٌ مُعجِب. و قولُه: لَه نُجومٌ و عَلَى نُجومِهِ نُجومٌ، أي آياتٌ تَدُلُّ عَلَى أحكامِ اللهِ تهتدي بها، و فِيهِ آياتٌ تَدُلُّ عَلَى هَذِه الآيات و تَوضِيحُها أنّ المُرادَ بِالنُّجومِ الثالِثُ السنة فَإنّ السَّنَة تَوضِيحُ القرآنِ أوِ الأئمّة (عليهم السّلام) العالِمونَ بِالقرآنِ و في بَعضِ نُسَخِ الحَديثِ و بَعضِ نُسخِ الكِتابِ [لَه تُخومٌ و عَلَى تُخومِهِ تُخومٌ‏] و التُّخومُ عَلَى ما قيل : جَمعُ تُخم بِمَعنى مُنتَهَى الشّيء

[14] ـ تخم و تخوم كفتح و فتوح: بمعنى الحدّ و النهاية.

[15] ـ وردت هذه التتمّة في الكافي و لم ترد في تفسير العياشي

[16] ـ ورد هذا الحديث الشريف في مقدّمة تفسير الصافي، ج1، ص 15؛ و في الكافي، ج 2، ص 598؛ و كذلك في بحار الأنوار، كتاب الروضة، ج 17، ص 40، طبع الكمباني نقلاً عن نوادر الراوندي؛ و في طبعة الآخوندي، فقد ورد في ج 77 ، ص 134، و ص 135.

[17] ـ سورة طه، الآيات، 124 إلى 126 .

[18] ـ راجع حقائق الأصول 2: 95

[19] ـ : الموضع الذي يُشرب فيه الماء، [قال في لسان العرب: المَنْهَل: المشرَب ثم كثر ذلك حتى سميت مَنازل السُّفَّار على المِياه‏. (المترجم)]

[20] ـ إثبات الهداة، ج 5، ص 144؛ و الكافي، ج 1، ص 462؛ و في البحار، ج 43، ص 323، و عن بصائر الدرجات ص 276 بأدنى اختلاف.

[21] ـ إثبات الهداة، ج 5، ص 146، و بحار الأنوار، ج 43، ص 324، عن الخرائج.

[22] ـ ذكر في سفينة البحار، ج 1، ص 336، في ضِمنِ تَرجُمَة السّيدِ إسماعيلَ الحِميَري (ره) ما هذا لَفظُه: أقولُ: و في «إثبات الوصيّة» إنّ والِدَ السيّدِ الحِميَرِي كانَ هو الأسوَدُ الَّذي أعطَى الدُّهنَ لِوَرَمِ قَدَمَي الحَسَن بنِ عليِّ بنِ أبي‌طالبٍ؛ و خَبرُ الأسوَد في آية 90، لكِنّ في بَعضِ التَعاليقِ من «ديوان الحِميَري» ذَكَر: أنّ أبَوَي السيّدِ أباضِيّانِ و الأباضِيّة من فِرَقِ الخَوارج. راجع ديوان الحميري، ص 149.

[23] ـ ما في إثبات الهداة، ج 5، ص 143؛ الكافي، ج 1، ص 300.

[24] ـ على ما في إثبات الهداة، ج 5، ص 147؛ مناقب ابن شهر آشوب، ج 3، ص 238

[25] ـ المَعْفورُ: المُترَّب‏ ، السليب: الذي سلب ثيابه.

[26] ـ الحريب: من أُغير عليه و أخذ ماله

[27] ـ مناقب ابن شهر آشوب، ج 3، ص 205.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->