الفيديو المحاضرات سؤال و جواب معرض الصور صوتيات المكتبة اتصل بنا الرئیسیة
  الخمیس  8 شوال  1445 - Thers  18 Apr 2024
البحوث المنتخبة    
كتاب المتقين    
الرئيسية   أرشيف  > ماذا نطلب من الله في ليلة الرغائب؟

ماذا نطلب من الله في ليلة الرغائب؟


_______________________________________________________________

هو العليم

ماذا نطلب من الله في ليلة الرغائب؟

مقطع من عنوان البصري 190

ألقيت في ليلة الرغائب من عام 1432 هـ

ألقاها سماحة آية الله

السيّد محمد محسن الحسيني الطهراني

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين اللهم صل على محمد وآل محمد
واللعنة على أعدائهم أجمعين


هذه الليلة هي ليلة الرغائب، وهي الليلة التي وعد الله تعالى فيها عباده الخاصّين وأولياءه بمنحهم تلك النفحات الخاصّة الإلهية. إنّها ليلة الرغائب.. والرغائب تطلق على الهدية الغالية والقيّمة جداً، والتي يستبعد عادة الوصول إليها في الحالات العادية والطبيعية. إنّها تعني أن يحصل الإنسان على هدية أو تحفة ثمينة.

ولكن لو أتى شخصٌ وأعطانا هدية قيّمة، فهذه من المسائل العادية.. فالجميع يقوم بذلك، إذ البعض قد يهدي الآخر، وكذا الإنسان عندما يتاجر ويقوم بمعاملات يربح ويستفيد منها، وهذه المسألة عادية والجميع يقوم بذلك، والإنسان إنما يقوم بهذه المعاملة لأجل الوصول إلى الربح والفائدة، ولو كان يعلم بأنه لا فائدة من تلك المعاملة فلن يقدم عليها، وهذا أمر طبيعي.
لكن أحياناً عندما يقوم الإنسان بحفر الأرض ليبني منزلاً، أو يهدم بناء قديماً لإعادة بنائه.. فجأةً يرى بأنّ هناك حفرة يوجد فيها كنز وذهب، وقد يحصل ذلك مع بعض الأشخاص أحياناً، فهذا ما يُطلق عليه بأنه رغيبة، يعني هدية غير متوقّعة، وغالباً ما تكون كافية إلى آخر العمر...

إذاً جمع رغيبة رغائب، يعني التحف والهدايا الثمينة وغير المتوقّعة، لا التحف والهدايا العادية، ولا التي تصل الإنسان كل شهر أو سنة، بل هذه يقال لها هدية، لا رغيبة. وقد ورد هذا المعنى في رواية عن الإمام عليه السلام عند قوله: "وأعزز نفسك..( أو) وأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً"، يقول الإمام عليه السلام: عليك أن تحافظ على نفسك عزيزةً ومنيعةً وعالية، فنفسك في مرتبة من العزّة بحيث أنّه لا يوجد أيّة تحفةٍ من التحف المادّية يمكنها أن تعوّض تلك النفس والعزّة.. ألا ترون أنّ بعض الأشخاص أعزّاء في بعض المسائل، ولديهم مناعة وعزّة.. لا يسلّمون ولا يخضعون بسرعة، ولا يفتحون مائدة القلب لأيّ كان، ولا يشكُون بسرعة من الابتلاءات التي يُبتلون بها.. بل يكتمونها في أنفسهم، ويبقونها في صدورهم.. يحاولون أن يظهروا أمام الناس وكأنه لم يصبهم شيء، ولا مبتلين بشيء، فالله هو الذي يعلم بحالهم فقط، وما دام الله عالماً بهم فلماذا يطرحون مشكلاتهم أمام الناس؟! فمن يفعل ذلك ويطرح مشكلاته أمام الناس لا يكون صاحب مناعة وعزّة نفس، وفي المقابل هناك أفراد لديهم مناعة طبع وعزّة نفس، يرى لنفسه قيمة ومكانة لا يضيّعها بالسؤال، ولا يستبدلها بالطلب. ولدينا في هذا المجال الكثير من الروايات التي تفيد أنّه لو عرف المؤمن ما الذي فقده بالسؤال؛ فإنّه لن يسأل طوال عمره أحداً. وفي بعض الروايات أنّ أصحاب رسول الله عندما كان يقع من أحدهم الشيء أثناء ركوبه، لم يكن يسأل الراجل أن يناوله ما سقط منه، بل كان ينزل عن راحلته ويتناوله بيده ثم يركب؛ وذلك كي لا يسأل الراجل شيئاً.

هذه عزّة النفس ومناعة الطبع تعدّ من المسائل الهامّة التي لها تبعات وآثار عجيبة، ليس في المسائل الاجتماعيّة فحسب، بل في نفس الإنسان. فهؤلاء الذين لديهم مثل هذه الحالة من السؤال والشكوى لا يتطوّرون أبداً ولا يرتقون، بل يبقون في هذه الحالة وعند هذا الحدّ.. لا تنتقل أنفسهم، ولا تتجاوز المشكلات؛ لأنها متى ما ابتليت بمشكلة تعرضها مباشرة وتشكو منها.. آخ رأسي يؤلمني.. رجلي توجعني... فالأيام لا يمكن أن تمرّ من دون مشاكل، ولا يوجد أحدٌ مستثنى من هذه المشكلات، إذ لكلّ شخص ملفّه الخاصّ به في ذلك. حسناً، إذا أراد الإنسان أن يصبر على هذه المسائل ويكتمها دون أن يتحدّث بها ويفشيها، فإنّ هذا الصبر والتحمل والكتمان ينقله من هذه المرتبة إلى مرتبةٍ أخرى، ويخطو من هذه المرحلة إلى مرحلة أعلى.

"وأكرم نفسك عن كل دنية" تعني هذا الكلام؛ تعني أن يكون الإنسان عزيزاً كريماً مكرماً نفسك التي منحك الله إياها عن كل عمل دني وسخيف وبدون محتوى ودنيوي.. عن كل تعظيمٍ وتجليل.. عن كل تملّق وتذلـّل.. عن كلّ تواضع في غير محله.. عن كلّ مدح وثناء لا طائل منه.. عزّز نفسك وأكرمها، وارفع شأنها. حتى لو كان هذا المدح والثناء والتواضع والتملّق سيسوقك نحو "الرغائب".. لا إلى الهدية والتحفة التي يرسلها إليك المسؤول عليك ومديرك أو الوزير الفلاني، فإن هذه من المسائل التي تأتي وتذهب؛ مثل الماء الجاري الذي يدخل من جهة ويخرج من جهة أخرى. بل حتّى لو كانت عبارة عن الهدايا غير المتوقعة لك، كأن تأتيك هديّة كبيرة جداً وعظيمة لا يمكن تصّورها، بأن تمنح مكانة وموقعيّة لا يمكن تصوّرها..

إذاً عليك أن تعزّز نفسك ولا تجعلها تسعى وراء هذه الأعمال الدنيّة والبسيطة، ولا تبِعْها بهذا المتاع البسيط؛ المتاع الدنيوي والأعمال اليومية في هذه الدنيا. لماذا الاحترام الزائد والتبجيل؟ ولمن التواضع والخضوع؟ ولأيّ شيء التملّق؟ فأنت الذي لا تعلم شيئاً عن مستقبلك، ولا تعرف متى يأتيك عزرائيل.. لماذا تتملّق وتتواضع؟ لأجل أن يزيد عطاؤك ألفين آخرين؟ تعساً لك، وتباً لك عندما تأتي وتستبدل تلك الهدية الإلهية التي منحك إياها، وألبسك خلعةَ "خليفةِ الله".. حيث جعلك خليفة له.. إذ يمكنك بإشارة منك أن تشقّ القمر نصفين، ومع ذلك تتملّق للآخرين؟ لماذا تفعل ذلك يا تعيس الحظ؟ يمكنك أن تشير إلى الشمس فتوقفها.. ألم يوقِف آصف بن برخيا الشمس، وكان بشراً كسائر البشر؟ فوزير النبي سليمان كان إنساناً عادياً كسائر البشر الآخرين، كان عبداً صالحاً لله، لكن صارت نفسه قاهرة ومسيطرة على مثال الموجودات نتيجة الطاعة، وصار مثال الموجودات وملكوتها تحت تصرّفه، فأعاد الشمس عندما أخبره سليمان بأنّه لم يصلِّ بعد، لانشغاله بمشاهدة الجيش. فقال له آصف اصبر قليلاً، فأعاد الشمس فصلّى النبي سليمان صلاة العصر.

هذه الأمور من المسائل الماديّة، لا تتعجبوا ممّا أذكره لكم، فهذه الأمور المادية، وهي لا تقاس بالرغائب التي لا توجد في هذه الدنيا، فمن الناحية الماديّة يمكن أن تصل إلى أن تجعل جميع الملك والملكوت تحت تصرفك.. ومع ذلك تأتي وتتملّق للآخرين؟ تمدح وتجلّل؟ من؟ أتمدح وتجلّل من لا يدري أخمسة أصابع في يده أم ستّة؟ لماذا تفعل ذلك؟ لأجل هذين اليومين اللذين تعيشهما في هذه الدنيا؟ والحال أن هذين اليومين ليسا باختيارك. إن قلت بأنّ الدنيا باختيارك، فتفضل وأخبرنا ما لديك عمّا سيحصل بعد ساعة.. لأجل هذين اليومين اللذين لا تملك فيهما شيئاً تأتي وتبيع نفسك التي بإمكانها أن تغيّر المكان والزمان.. بثمن بخس؟ أتبيعها بثمن بخس.

كان المرحوم السيد الحدّاد رضوان الله عليه رجلاً عظيماً بكلّ معنى الكلمة، لا عظيماً بالمصطلح المتداول اليوم؛ حيث يقال: فلان عظيم الشأن... بل كان عظيماً واقعياً؛ (وإنك لعلى خلق عظيم) ذاك العظيم الذي يصفه الله تعالى بالعظمة..

يقول المرحوم الحدّاد كان بعض الإخوة يأتون إلينا ويطلبون منا السعة في الحياة الدنيا.. بعضهم يقول: سيدنا لماذا قلّ تردّد الزبائن منذ شهرين، فلا يأتون لشراء السلع الموجودة في الدّكان؟ وكنت موجوداً عندما قال سماحته: البعض يأتي إلينا لرفع مشكلاتهم المادية وشفاء مرضاهم.. بعضهم يقول: سيدنا زوجتي مصابة بألم في ظهرها وهي مستلقية منذ يومين، فادع لها بالشفاء.. إذا فرضنا أنها لم تنهض فماذا سيحصل؟ فلتبقى مستلقية.. فما دخلك أنت ؟ إنّك لا تطلب الشفاء من أجلها هي بل من أجلك أنت!! ويأتي آخر ويقول: سيدنا عليّ قرض بمبلغ كذا فادع لنا.. وقد شاهدت بنفسي ـ حيث كنت في أحد المجالس عند السيّد الحدّاد ـ أحدَ الأشخاص الذين أتوا إلى السيد وقال له: إن موظفي جباية الضرائب يأخذون منّا كثيراً، فادع لنا أن تنقص الضرائب علينا، وكان يقول لهم إن شاء الله سأدعو لكم.. وكان الموظفون بعد ذلك يأتون وينظرون في دكّانه ويذهبون دون أن يتكلّموا بشيء. وكان يفعل ذلك، لكن هل تريدون السيد الحدّاد لأجل هذه المسائل؟ لأجل أن تشفى زوجتك من وجع الظهر، كي تقوم بخدمتك؟ لأجل أن يقضى دينك، فلا تذهب للعمل كثيراً؟ لأجل أن تقلّ الابتلاءات عليك؟ فهل تريدونه لأجل هذا؟ والحال أنه كان يقول: المطالب التي نطرحها على الإخوة، لا يمكن للكثير من معاجز الأنبياء أن تصل إليها.. ومع ذلك يأتون ويطلبون منه هذه الأمور.. الكثير من معاجز الأنبياء لا تصل إليها! ماذا كان يفعل النبي عيسى على نبينا وآله وعليه السلام؟ ـ ومرادنا بالنسبة لأهل الظاهر، أما بالنسبة لأهل المعنى فقد كان يقوم بهذه الأعمال أيضاً ـ كان يحي الموتى، وكان يصنع طيناً بشكل طير وينفخ فيه فيطير.. لكن من الذي يحيي القلب؟ فهذا الذي يحيه طين ، لكن من الذي يأتي ويوجد العلاقة و المحبّة بين الإنسان وبين الله تعالى؟ ومنْ مِن الأشخاص على وجه الأرض يمكنه أن يبيّن كيفية التخاطب بين الإنسان والله تعالى في الصلاة، ويفسّر هذه العلاقة؟ من الذي يمكنه ذلك غير هذا؟ فنحن نشغل أنفسنا بكيفية نطق (إياك نعبد) و (ولا الضآلين)، لكن من الذي يبيّن لنا كيفية العلاقة بيننا وبين الله تعالى؟ أيّهما أفضل؟ هل هذا أفضل؟ أم الذي يبدّل الطين إلى طير؟ أجيبوا بإنصاف، ذاك بدّل الطين إلى طير وانتهى الأمر، ما الذي حصل بعد؟ لكن من يذكر كلاماً بحيث تتغيّر على إثره صلاتي ويتغيّر فهمي وإدراكي، ذاك الكلام أثّر على تشخيصي للأمور، وأخرجني من التوهم.. نعوذ بالله من هذه الأوهام والتخيلات.. عندما نخرج من هذه الأمور، عند ذلك نفهم كلام العظماء والأولياء، وما الذي قالوه، وما الذي كانوا في صدده.

"وأعزز نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً". فإنّك مهما فعلت لن تعوّض ما فاتك من أمور.. فالدنيا ميدان تجارة، تفضل!

حسناً.. الليلة ليلة الرغائب، والرغائب من هذه الجهة تعني أن الليلة ليست ليلة أداء الديون، وليست ليلة معالجة الظهر، وليست من أجل رفع الابتلاءات.. وإن كانت هذه الأمور ستحصل تلقائياً، لكن هذه الأمور ليست رغيبة، فالإنسان لا بد له أن يطلب من الله تعالى، فقد خاطب الله النبي موسى: اطلب ملح طعامك مني [1]. لكن كلامنا في أنّه على ماذا ينبغي التركيز؟ وإلى ماذا يجب التوجه، وبأي شيء ينبغي الاهتمام؟ هذا هو مرادي.. بأي شيء ينبغي الاهتمام؟ بأي شيء؟ ينبغي التفكير بموانع طريقنا.. هذا الذي ينبغي أن نفكّر فيه.. يجب علينا أن نفكّر بالأمور التي تأتي وتقطع طريقنا و مسيرنا، فهذا هو ما يجعل الإنسان شقيّاً، و يأخذ منه دنياه و آخرته!!! هذا هو ما ينبغي أن نطلبه و نسأله من الله! فما قيمة آلام الظهر و البطن و المعدة أمام هذا الأمر ؟! ما قيمة هذه الأمور؟ لا قيمة لها أبداً !
إنّ ما ينبغي أن نفكّر فيه هذه الليلة هو تلك الخيالات التي تأتي و تقطع طريق السلوك و تسدّه! و تلك النفحات التي تأتي و تقطع تعلّقات الإنسان هي ما ينبغي أن يشغل بالنا هذه الليلة! و تلك الجذبات التي تهبّ نسائمها فتشعل قلب الإنسان بالعشق و المحبّة لله تعالى و تزيدها أضعافاً مضاعفة هي ما يجب أن نتفكّر فيه هذه الليلة و نطلبه من الله عزّ وجلّ ! فالليلة هي ليلة الرغائب!

فما هي الرغائب؟ هل صار سداد القرض من الرغائب؟! كلاّ فهو ليس أمراً مهمّاً ، بل هو أمرٌ عاديّ لا قيمة لها. و هل يعتبر الشفاء من المرض رغيبة من الرغائب؟ و هل صار التخليص من الابتلاء رغيبة؟! أم أنّ الأمر ليس كذلك! فعندما يقول رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم: ينبغي أن تهتّموا بليلة الرغائب و تنتبهوا لها، و عندما نشاهد كلّ هذه التأكيدات من الأعاظم بخصوص هذه الليلة ... و لا تتخيّلوا أنّ الأمر ينتهي في أوّل الليلة [بأداء أعمال الليلة] بل المطلب مستمرّ حتّى طلوع الصبح، و الأعمال ليست منحصرة في الأعمال التي أدّيتموها فقط، فالمجال مفتوح للمسائل و الرغائب هذه الليلة حتّى الصبح و ذلك للأفراد ذوي القلوب المتيقّظة، و للأفراد المستعدّين و المنتبهين، ولذا تلاحظ أنّ أولياء الله و العظماء كانوا يحيون هذه الليلة، و كانوا يؤكّدون على إحيائها.. مثل ليلة النصف من شعبان و ليلة عيد الغدير و ليالي القدر في شهر رمضان أي ليلة التاسع عشر و الواحد و العشرون و الثالث و العشرون من شهر رمضان، و مثل ليلة المباهلة و أمثال ذلك!

ليلة الرغائب تعني أنّ الله سبحانه و تعالى يريد أن يعطي نعمة سنة كاملة لعبده في هذه الليلة، فماذا نطلب من الله حينئذٍ؟ ينبغي أن نتوّجّه إلى الله بالدعاء أن: يا ربّ ارفع عنّا الأوهام و التخيّلات في هذه السنة... فهذه رغيبة فعلاً ! يا ربّ أخرجنا من التخيّل و خلّصنا من القوّة الواهمة... هكذا تكون الرغائب، و مثل هذه الرغيبة تستحقّ أن يهتمّ بها الإنسان و يخلّص فكره في طلبها!

يا ربّ امنحنا تلك النفحات التي تقطع الإنسان عن التعلّقات في هذه الليلة حتّى السنة القادمة... فما يعطى هذه الليلة يستمرّ حتّى السنة القادمة، فمن هذه الليلة توضع الخطّة و تنفّذ.

يا ربّ ساعدنا على الحركة نحو ساحة قربك، وعلى الخروج من التوّهمات، و وفّقنا لكي تتخلّص نفسنا من تلك المسائل التي ألقت بأغلالها و قيودها على النفس... هذه رغيبة !

إنّ الحقير لا يبيّن هذه المطالب من عنده، بل هي أمور سمعناها من الأولياء و العظماء، فهم كانوا يمرون من تلامذتهم أن يطلبوا هذه الأمور في مثل هذه الليلة المباركة.

يا ربّ ارفع هذه السنة من مستوى فهمنا... أجل.. إنّ هذه لرغيبة! ماذا يعني أن يزيد الله فهمنا؟ يعني يا ربّ ارفع مستوى عقلنا! و اجعل حكمنا على الأشياء حكماً صحيحاً و نظرتنا لها نظرة واقعية و ليس مثل الناس.. هذه رغيبة!

يا ربّ أخرجنا من التوهّمات، و خلّص نفوسنا من التخيّلات، و اكتب لنا تلك الأمور التي فيها مصالحنا الحياتية الواقعية حتّى لو كان ثمن ذلك خسارة بعض الأمور الدنيوية.. نسألك أن تقدّر لنا تلك الأمور.

ففي النهاية ليس الأمر منحصراً في المصالح الدنيوية.. ولا ينبغي أن تكون رغباتنا منحصرة في المال و الزوجة و الأولاد ! فأين نذهب؟ و بأي اتّجاه نمضي؟ و أين ذهب عقلنا؟ و ماذا حصل لفهمنا ؟

إنّ هذه المسألة مهمّة جدّاً، و هي أنّهما المقصود بالرغائب في ليلة الرغائب؟ و ما هي الأمور التي ينطبق عليها أنّها رغيبة؟ و ما هي الأمور التي كان أولياء الله يطلبونها في مثل هذه الليلة؟ ففي آخر هذه الأعمال التي أديتموها قد ذُكر أنّه في آخر السجدة بإمكانك أن تطلب من الله تعالى ما تشاء، حسناً .. فماذا نطلب من الله؟ و ما هي الأمور التي يطلبها أولياء الله في آخر هذه السجدة؟ هل تتصوّرون أنّهم كانوا يطلبون من الله أن يشافيهم من آلام المعدة؟ هل هذا ما كانوا يطلبونه؟ لقد كان هؤلاء الأعاظم يطلبون تلك الأمور التي قام أولياء الدين و أئمتنا بتعليمنا إيّاها:

(و أدخلنا في كلّ خير أدخلت فيه محمّداً وآل محمد) هكذا علّمنا أئمّتنا أن نطلب وندعو ونسأل من الله! فما هو الخير الذي منحه الله للمعصومين الأربعة عشر؟ و في أيّ خير أدخلهم؟ هل فكّرتم في ذلك حتّى الآن؟ ما هو الخير الممنوح للأئمّة عليهم السلام؟ هل الخير الممنوح لهم هو أن يتمكّنوا مثلاً أن يطّلعوا على المسائل الجزئية ...(ولا شكّ أن هذا ممّا منحه الله لهم، و أنّه داخل تحت الخير الأعظم، و لكنّه ليس غاية الأمر) ... و أن يطّلعوا على الأحكام، و أن تزداد معرفتهم بالأحكام الفقهيّة، و أن يصلح لهم دنياهم و ما شابه ذلك ؟! كلاّ .. [بل الأمر أعظم من هذا بكثير]، فما هو إذاً الخير الذي منحه الله لهم؟ إنّه الورود في عالم الأسماء و الصفات الكلّية للذات الإلهيّة التي لا نهاية لها و لا حدّ، و السير في جميع الآثار الكلّية لله تعالى! هذا هو معنى الخير! إنّه الحركة باتّجاه مقام الواحديّة الذي يتضمّن جميع الأسماء و الصفات الإلهية في باطنه، و هو السير الذي لا نهاية له، بل الأمر أعلى من ذلك.. إنّه اتّصال الذات و الضمير بذات الله تعالى التي هي فوق جميع الأسماء الكلية و الصفات الكليّة... هذا هو الخير الذي يسعى أولياء الله و العرفاء للحصول عليه! إنّه اتّصال السرّ و الذات بمبدأ الوجود و مبدأ الحياة و ذات الله تعالى، و هناك حيث مقام لا اسم ولا رسم ومقام عدم التعيّن و التقيدّ، و هو ما يسمّى بـ "عالم البهم و العماء" ! هذا هو الخير..

حسناً.. هذا قسم من الدعاء، و أما القسم الآخر فهو: (وأخرجنا من كلّ سوءٍ أخرجت منه محمّداً وآل محمّد) ... فما هو السوء؟ أيّ سوءٍ أخرج اللهُ رسولَه منه؟ بكلّ الأحوال السوءُ سوءٌ ولا فرق، ولكن ما هو السوء الموجود في تلك المرتبة؟ فالسوء الذي في رتبتنا نحن هو عدم المعصية وعدم السرقة وعدم الكذب وعدم رمي التهم جزافاً، وهذه الأمور التي نقوم بها باستمرار ولله الحمد، هذا سوء!

لكن ما هو السوء الذي يدعو أولياء الله الخروج منه؟ ما هو السوء الذي أخرج اللهُ نبيَّه وآلَه منه؟ ذلك السوء هو عبارة عن اضطراب السرّ في لحظة، والانقطاع عن الله عزّ وجلّ نحو عالم الأسماء والصفات، ولا شيء غير ذلك، فالانصراف من الذات حتّى لو كان تجاه الأسماء والصفات فهو سوءٌ بالنسبة لهم!! إنّ لحظةً واحدةً من انصراف الإنسان عن التوجّه نحو الذات والانغمار في الذات والالتفات منها إلى الأسماء والآثار من دون ملاحظة الذات هو السوء! أمّا مع ملاحظة الذات فلا فرق، لأنّه هذه الرتبة هي مقام البقاء والجمع، وهي حيثيّة الكمال ولا إشكال فيها، هذا هو السوء بالنسبة لهم.

الليلة هي ليلة الرغائب، فماذا نرغب نحن؟ إنّما نرغب في هذا المقام! أليس كذلك؟ نرغب إلى الله و نتوسّل إليه أن: يا الله قدّر لنا كلّ ما قدّرته لنبيّك وآله صلوات الله وسلامه عليهم، وادفع عنّا كلّ ما دفعته عنهم، ونسألك أن تبعد عن طريقنا كلّ أمرٍ أبعدته من طريقهم، وأن لا تقدّر لنا ما لم تقدّره لهم، فهذا أمرٌ سهل بالنسبة لك يا ربّ!


[1] ـ إشارة إلى الحديث القدسي: " يا موسى سلني كل ما تحتاج إليه حتى علف شاتك، و ملح عجينك". (بحار الأنوار، ج 90، ص 303)

چاپ ارسال به دوستان
 
الإستفتاء
الإسم:    
البريد الإلكترونيّ:    
التاریخ    
الموضوع:    
النص:    

أدخل الرمز أو العبارة التي تراها في هذه الصورة بدقة

اگر در دیدن این کد مشکل دارید با مدیر سایت تماس بگیرید 
عوض الرمز الجديد

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع «المتقين». يسمح بإستخدام المعلومات مع الإشارة الي مصدرها


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی